فصل: الكفارة في اليمين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَابُ (الْحَلِفُ بِالْعِتْقِ):

الْحَلِفُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَبِسُكُونِهَا وَبِكَسْرِهَا الْقَسَمُ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ الْعِتْقَ جَزَاءً عَلَى الْحَلِفِ بِأَنْ يُعَلِّقَ الْعِتْقَ بِشَيْءٍ (وَمَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ) عَبْدًا أَوْ أَمَةً (لِي يَوْمئِذٍ حُرٌّ) أَيْ يَوْمَ إذْ دَخَلْت؛ لِأَنَّ التَّنْوِينَ فِي يَوْمئِذٍ عِوَضٌ عَنْ الْجُمْلَةِ الْمُضَافَةِ إلَيْهَا لَفْظَةُ إذْ وَلَفْظُ يَوْمَ ظَرْفٌ لِمَمْلُوكٍ وَكَانَ التَّقْدِيرُ كُلُّ مَنْ يَكُونُ فِي مِلْكِي وَقْتَ الدُّخُولِ حُرٌّ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ قِيلَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْيَوْمَ مَعَ فِعْلٍ مُمْتَدٍّ لِلنَّهَارِ وَلِأَنَّهُ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ وَفِيهِ أَنَّ يَوْمَئِذٍ مُرَكَّبٌ وَالْمُرَكَّبُ غَيْرُ الْمُفْرَدِ انْتَهَى.
لَكِنْ فِي الْفَتْحِ تَفْصِيلٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ لَفْظَ إذْ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا تَكْثِيرًا لِلْعِوَضِ عَنْ الْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ أَوْ عِمَادًا لَهُ لِكَوْنِهِ حَرْفًا وَاحِدًا سَاكِنًا تَحْسِينًا وَلَمْ يُلَاحَظْ مَعْنَاهَا وَهَذَا لَوْ دَخَلَ لَيْلًا عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى فِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ الدُّخُولُ تَدَبَّرْ (يُعْتَقُ بِدُخُولِهِ) أَيْ الدَّارَ (مَنْ) هُوَ (فِي مِلْكِهِ) أَيْ الْمُعْتِقِ (عِنْدَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ) وَاسْتَمَرَّ إلَى وَقْتِ الدُّخُولِ (أَوْ تَجَدَّدَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْحَلِفِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ وَهُوَ حَاصِلٌ فِيهِمَا.
(وَلَوْ لَمْ يَقُلْ) فِي يَمِينِهِ (يَوْمئِذٍ) بَلْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ (لَا يُعْتَقُ إلَّا مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْحَلِفِ)؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ اعْتَرَضَ عَلَى الْجَزَاءِ وَهُوَ الْعِتْقُ فَيَقْتَضِي تَأَخُّرَ الْجَزَاءِ إلَى وَقْتِ دُخُولِ الدَّارِ لَا تَأَخُّرَ الْمِلْكِ، فَيُعْتَقُ مَنْ بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ إلَى زَمَانِ الدُّخُولِ لَا مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ زَادَ يَوْمئِذٍ فِيهَا وَلَا يُفِيدُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ إلَّا إذَا انْصَرَفَ يَوْمئِذٍ إلَى مَا يَمْلِكُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْعِتْقِ مُعَلَّقًا أَوْ مُنَجَّزًا وَسَوَاءٌ قَدَّمَ الشَّرْطَ أَوْ أَخَّرَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ بِإِنْ أَوْ بِغَيْرِهَا كَإِذَا مَا أَوْ مَتَى مَا.
(وَكَذَا) لَا يُعْتَقُ (لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي) أَوْ قَالَ كُلُّ مَا أَمْلِكُهُ (حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ) وَلَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى آخَرَ بَعْدَ الْحَلِفِ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ غَدٍ عَتَقَ الَّذِي فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ لَا الَّذِي اشْتَرَاهُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَتَنَاوَلُ مَا مَلَكَهُ زَمَانَ صُدُورِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْهُ وَقَوْلُهُ أَمْلِكُهُ لِلْحَالِ وَانْصِرَافُهُ إلَى الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةِ السِّينِ أَوْ سَوْفَ، فَكَانَ الْجَزَاءُ حُرِّيَّةَ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ مَا اسْتَقْبَلَ مِلْكَهُ عَتَقَ مِلْكُهُ لِلْحَالِ وَمَا اسْتَحْدَثَ الْمِلْكَ، كَمَا إذَا قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ ثُمَّ قَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى عَنَيْتهَا وَطَلُقَتْ الْمَعْرُوفَةُ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَالْمَجْهُولَةُ بِاعْتِرَافِهِ كَذَا هَاهُنَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَالْمَمْلُوكُ لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ)؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَمْلُوكٍ مُطْلَقٍ وَالْجَنِينُ مَمْلُوكٌ تَبَعًا لِلْأُمِّ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ وَالْمَمْلُوكُ يَتَنَاوَلُ الْأَنْفُسَ لَا الْأَعْضَاءَ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مُنْفَرِدًا وَلَا يَجْرِي عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَفَرَّعَ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٌ حُرٌّ وَلَهُ) أَيْ لِلْقَائِلِ (أَمَةٌ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مُنْذُ حَلَفَ لَا يُعْتَقُ) كَمَا بَيَّنَّاهُ وَقَوْلُهُ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِأَكْثَرَ بَلْ لِكَوْنِ وُجُودِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْحَلِفِ مُتَيَقَّنًا.
(وَلَوْ) قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ وَ (لَمْ يَقُلْ ذَكَرًا عَتَقَ) الْحَمْلُ (تَبَعًا لِأُمِّهِ)؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْمَمْلُوكِ يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ حَتَّى لَوْ قَالَ نَوَيْت الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً، وَفِي إطْلَاقِهِ يُشْعِرُ بِأَنْ يُعْتَقَ الْحَمْلُ تَبَعًا لِأُمِّهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ أَوْ لِأَكْثَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي عِتْقَ الْحَمْلِ إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ لِوُجُودِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْحَلِفِ بِيَقِينٍ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْحَلِفِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ.
تَتَبَّعْ.
(وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي صَارَ مَنْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ الْحَلِفِ مُدَبَّرًا لَا) أَيْ لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا (مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الْمَوْتِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيجَابُ الْعِتْقِ يَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَ فِي الْحَالِ وَيَصِيرُ مُدَبَّرًا مِنْ حَيْثُ تَعْلِيقُهُ بِالْمَوْتِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَهُ وَلَا يَصِيرُ هُوَ مُدَبَّرًا حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْعِتْقَ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ (لَكِنْ يُعْتَقُ الْجَمِيعُ) أَيْ مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْحَلِفِ وَقَبْلَهُ (مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ مَوْتِهِ) أَمَّا عِتْقُ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ مُدَبَّرٌ وَأَمَّا عِتْقُ الثَّانِي فَلِأَنَّ إضَافَةَ الْعِتْقِ إلَى الْمَوْتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ يَصِيرُ وَصِيَّةً فَيَتَنَاوَلُ مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْوَصَايَا الْمِلْكُ حَالَةَ الْمَوْتِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ يُعْتَقُ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ حَلَفَ وَلَا يُعْتَقُ الَّذِي مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْحَالِ فَلَا يُعْتَقُ بِهِ مَا سَيَمْلِكُهُ وَلِهَذَا صَارَ مُدَبَّرًا دُونَ الْآخَرِ.

.بَاب (الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ):

هُوَ بِالضَّمِّ مَا يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ عَلَى عَمَلِهِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الْعِتْقُ عَلَى الْمَالِ (وَمَنْ أُعْتِقَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالنَّائِبُ عَنْ الْفَاعِلِ ضَمِيرُ مَنْ (عَلَى مَالٍ) نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ حَيَوَانٍ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مَعْلُومِ الْجِنْسِ، وَيَلْزَمُهُ الْوَسَطُ فِي تَسْمِيَةِ الْحَيَوَانِ وَالثَّوْبِ بَعْدَ بَيَانِ جِنْسِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْجِنْسَ بِأَنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ حَيَوَانٍ فَقَبِلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْتَقُ فِي الْمَالِ الْمَجْهُولِ (أَوْ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْمَالِ بِأَنْ قَالَ أَنْتَ أَوْ هُوَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ أَوْ بِأَلْفٍ (فَقَبِلَ) الْعَبْدُ الْمَالَ فِي الْمَجْلِسِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ الْإِيجَابِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا اُعْتُبِرَ مَجْلِسُ عِلْمِهِ، وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ قَبِلَ؛ لِأَنَّهُ إنْ رَدَّ أَوْ أَعْرَضَ عَنْ الْمَجْلِسِ بِالْقِيَامِ أَوْ بِالِاشْتِغَالِ بِمَا يُعْلَمُ بِهِ قَطْعُ الْمَجْلِسِ بَطَلَ (عَتَقَ) فِي الْحَالِ سَوَاءٌ أَدَّى الْمَالَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَشَابَهَ النِّكَاحَ وَالطَّلَاقَ.
وَفِي الْبَحْرِ قَالَ لِعَبْدِهِ صُمْ عَنِّي يَوْمًا أَوْ صَلِّ عَنِّي رَكْعَتَيْنِ وَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَصُمْ، وَلَوْ قَالَ حُجَّ عَنِّي وَأَنْتَ حُرٌّ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يَحُجَّ (وَالْمَالُ) الْمَشْرُوطُ (دَيْنٌ) صَحِيحٌ (عَلَيْهِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ) لِكَوْنِهِ دَيْنًا عَلَى حُرٍّ (بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ) حَيْثُ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ قِيَامُ الرِّقِّ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمَوْلَى لَهُ (إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِذَا أُدِّيَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَوْ مَتَى أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ (صَارَ مَأْذُونًا) بِالْكَسْبِ (لَا مُكَاتَبًا) أَيْ لَا يَصِيرُ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ وَلَا يَبْطُلُ بِرَدِّهِ، وَلِلْمَوْلَى بَيْعُهُ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَهُوَ لِلْمَوْلَى وَلَا يُؤَدِّي عَنْهُ وَيُعْتَقُ، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى وَفِي يَدِ الْعَبْدِ كَسْبٌ كَانَ لِوَرَثَةِ الْمَوْلَى وَيُبَاعُ الْعَبْدُ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَدَّتْ لَمْ يُعْتَقْ وَلَدُهَا تَبَعًا، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى رَغَّبَهُ فِي الْإِكْسَابِ لِطَلَبِهِ الْأَدَاءَ مِنْهُ وَمُرَادُهُ التِّجَارَةُ لَا التَّكَدِّي فَكَانَ إذْنًا لَهُ دَلَالَةً (وَيُعْتَقُ) الْعَبْدُ (إنْ أَدَّى) الْمَالَ كُلَّهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْأَدَاءِ فَأَدَّى لَا يُعْتَقُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (فِي الْمَجْلِسِ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ فَلَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ.
وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ أَدَّى مَكَانَ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ لَا يُعْتَقُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ (أَوْ خَلَّى) الْعَبْدُ (بَيْنَ الْمَوْلَى وَبَيْنَ الْمَالِ) بِأَنْ وَضَعَهُ فِي مَوْضِعٍ يَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ أَخْذِهِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَجْلِسِ (فِي التَّعْلِيقِ بِإِنْ)؛ لِأَنَّ إنْ لِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ وَلَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي الْوَقْتِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.
(وَ) يُعْتَقُ (مَتَى أَدَّى أَوْ) مَتَى (خَلَّى) بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ (فِي التَّعْلِيقِ بِإِذَا) فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ إذَا لِلْوَقْتِ كَمَتَى فَيَعُمُّ الْأَوْقَاتَ كَمَا بَيَّنَ فِي مَوْضِعِهِ (وَيُجْبِرُ) أَيْ الْحَاكِمُ (الْمَوْلَى عَلَى الْقَبْضِ) وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ فِيهِ تَنْزِيلُ الْحَاكِمِ أَوْ الْمَوْلَى مَنْزِلَةَ الْقَابِضِ بِالتَّخْلِيَةِ، وَيُحْكَمُ بِعِتْقِ الْعَبْدِ قَبَضَ أَوْ لَا، لَا مَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْإِجْبَارِ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الْإِكْرَاهِ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ زُفَرُ يُعْتَقُ بِالْقَبْضِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الْقَبُولُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ (وَإِنْ أَدَّى) الْعَبْدُ (الْبَعْضَ يُجْبَرُ) الْمَوْلَى (عَلَى الْقَبْضِ أَيْضًا) اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنْ أَدَّى الْبَعْضَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنْ أَدَّى الْبَعْضَ بِطَرِيقِ التَّخْلِيَةِ لَا يُنَزَّلُ الْمَوْلَى مَنْزِلَةَ الْقَابِضِ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يَكُونُ قَابِضًا (إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْكُلَّ)؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ أَدَاءُ الْكُلِّ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا فِي حَقِّ الْبَعْضِ.
وَفِي التَّبْيِينِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مَعْلُومًا وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ دِرْهَمًا فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَكُونُ فِي الْمُعَاوَضَةِ فَيَكُونُ يَمِينًا مَحْضًا وَلَا جَبْرَ فِيهَا (كَمَا لَوْ حَطَّ عَنْهُ الْبَعْضَ) بِطَلَبِهِ (فَأَدَّى) الْعَبْدُ (الْبَاقِيَ) وَكَذَا إذَا حَطَّ الْجَمِيعَ لَمْ يُعْتَقْ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ (ثُمَّ إنْ أَدَّى) الْعَبْدُ (أَلْفًا كَسَبَهَا) أَيْ الْعَبْدُ (قَبْلَ التَّعْلِيقِ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا)؛ لِأَنَّ مَا كَسَبَهُ قَبْلَهُ مَالٌ اسْتَحَقَّهُ الْمَوْلَى (وَيُعْتَقُ) لِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْأَلْفِ كَمَا لَوْ غَصَبَ أَلْفَ إنْسَانٍ فَأَدَّى عَتَقَ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ) أَدَّى الْعَبْدُ أَلْفًا (كَسَبَهَا) أَيْ الْعَبْدُ الْأَلْفَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ التَّعْلِيقِ (لَا يَرْجِعُ) الْمَوْلَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَتِهِ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ لَكِنَّهُ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمَأْذُونِ فِي التِّجَارَةِ لِلْمَوْلَى.
وَفِي الْبَحْرِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فِي كِيسٍ أَبْيَضَ فَأَدَّاهَا فِي أَسْوَدَ لَا يُعْتَقُ، وَلَوْ قَالَ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا هَذَا الشَّهْرَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَأَدَّاهَا فِي غَيْرِهِ لَمْ يُعْتَقْ، وَفِي الْمُكَاتَبِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِالْحُكْمِ أَوْ التَّرَاضِي.
(وَلَوْ قَالَ) لِعَبْدِهِ (أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِأَلْفٍ فَإِنْ قَبِلَ) الْعَبْدُ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (وَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ) أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ الْقَاضِي إذَا امْتَنَعَ الْوَارِثُ (عَتَقَ) بِالْأَلْفِ (إلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَجْمُوعُ وَهُوَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِعْتَاقُ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ (فَلَا) يُعْتَقُ بِالْأَلْفِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يُعْتِقَهُ الْوَارِثُ مَجَّانًا وَصَرَّحَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِالْقَبُولِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إعْتَاقِ الْوَارِثِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَ حُكْمًا لِكَلَامِ صَدَرَ مِنْ الْأَهْلِ مُضَافًا إلَى الْمَحَلِّ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ، وَلِأَنَّ الْقَبُولَ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ فَإِذَا لَمْ يُعْتَقْ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْوَفَاةِ إلَّا بِإِعْتَاقِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا بَعْدَ الْوَفَاةِ أَيْضًا فَلَا يَبْقَى فَائِدَةٌ لِقَبُولِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
قُلْت أُجِيبَ عَنْهُ أَنَّ الْعِتْقَ الْحُكْمِيَّ وَإِنْ كَانَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَهْلِيَّةُ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَهُ وَهُنَا قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ الْمُعْتِقِ وَبَقِيَ لِلْوَارِثِ، وَمَتَى خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَقَعُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ مَعَ وُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ، فَمَا ظَنُّك عِنْدَ عَدَمِهَا، وَقَوْلُهُ إنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْقَبُولُ لَمْ يَصِحَّ إعْتَاقُ الْوَصِيِّ وَالْقَاضِي لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَهُمَا وَلَمْ يَلْزَمْ الْوَارِثَ الْإِعْتَاقُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يُعْتَقُ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إعْتَاقِ أَحَدٍ وَصُحِّحَ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالتَّبْيِينِ: لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ بَعْدَ مَوْتِي أَنَّ الْقَبُولَ فِيهِ لِلْحَالِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَنْ يُؤَخِّرَ ذِكْرَ الْمَالِ أَوْ يُقَدِّمَهُ تَأَمَّلْ.
وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ أَنْتَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ فَالْقَبُولُ فِيهِ لِلْحَالِ فَإِذَا قَبِلَ صَارَ مُدَبَّرًا وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ قَائِمٌ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكَاتَبًا.
(وَلَوْ حَرَّرَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ سَنَةً فَقَبِلَ) الْعَبْدُ (عَتَقَ) مِنْ سَاعَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ عَلَى عِوَضٍ وَالْعِتْقُ عَلَى عِوَضٍ يَقَعُ بِالْقَبُولِ قَبْلَ الْأَدَاءِ (وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْدُمَهُ تِلْكَ الْمُدَّةِ) الْمُعَيَّنَةِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْخِدْمَةِ الْخِدْمَةُ الْمَعْرُوفَةُ بَيْنَ النَّاسِ، قُيِّدَ بِالْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَرَّرَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ عَتَقَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ مَجْهُولَةٌ، وَقُيِّدَ بِعَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَالَ إنْ خَدَمْتنِي سَنَةً لَا يُعْتَقُ حَتَّى يَخْدُمَهُ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ إتْمَامِهَا؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ وَلَوْ خَدَمَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَعْطَاهُ مَالًا عَنْ خِدْمَتِهِ لَا يُعْتَقُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ خَدَمْتنِي وَأَوْلَادِي سَنَةً فَمَاتَ بَعْضُ الْأَوْلَادِ لَا يُعْتَقُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ كَلِمَةَ إنْ لِلتَّعْلِيقِ وَعَلَى لِلْمُعَاوَضَةِ (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى) أَوْ الْعَبْدُ، (قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الْخِدْمَةِ (لَزِمَهُ قِيمَةُ نَفْسِهِ) وَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الْعَبْدُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَزُفَرَ (قِيمَةُ خِدْمَتِهِ) وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَالْعَبْدِ، وَفَصَّلَ الزَّيْلَعِيُّ كُلَّ التَّفْصِيلِ فَلْيُرَاجَعْ.
وَقُيِّدَ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَدَمَ بَعْضَ الْمُدَّةِ كَسَنَةٍ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى قَوْلِهِمَا عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ قِيمَتِهِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ قِيمَةُ خِدْمَتِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
وَفِي الْحَاوِي: وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ نَأْخُذُ.
(وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ مِنْ نَفْسِهِ بِعَيْنٍ فَهَلَكَتْ) الْعَيْنُ (قَبْلَ الْقَبْضِ يَلْزَمُهُ) أَيْ الْعَبْدَ (قِيمَةُ نَفْسِهِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قِيمَةُ الْعَيْنِ) الْخِلَافِيَّةِ الْأُولَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى خِلَافِيَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّهُ كَمَا يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ بِالْهَلَاكِ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى الْخِدْمَةِ بِمَوْتِ الْعَبْدِ فَصَارَ نَظِيرًا لَهَا، لَهُ إنَّهَا مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَبْدِ لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حَقِّهِ إذْ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ أَعْتِقْ أَمَتَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا فَفَعَلَ) أَيْ أَعْتَقَهَا الْآخَرُ (وَأَبَتْ) أَيْ امْتَنَعَتْ الْأَمَةُ عَنْ (أَنْ تَتَزَوَّجَهُ عَتَقَتْ) الْأَمَةُ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَائِلِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَدَلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ جَائِزٌ فِي الطَّلَاقِ لَا فِي الْعَتَاقِ.
(وَلَوْ ضَمَّ) الْقَائِلُ (عَنِّي) أَيْ لَوْ قَالَ أَعْتِقْ أَمَتَك عَنِّي بِأَلْفٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا (قُسِمَ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا) أَيْ قِيمَةِ الْأَمَةِ (وَمَهْرِ مِثْلِهَا) لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ قِيمَتَهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسُمِائَةٍ فَثُلُثَا الْأَلْف حِصَّة الْقِيمَة وَثُلُثه حِصَّة مَهْر مِثْلهَا (وَلَزِمَهُ) أَيْ الْأَمْر (حِصَّة الْقِيمَة) وَهِيَ ثُلُثًا الْأَلْف (وَسَقَطَ) عَنْهُ (مَا يَخُصّ الْمَهْر)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ عَنِّي تَضَمَّنَ الشِّرَاء اقْتِضَاء، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَابِل الْأَلْف بِالرَّقَبَةِ شِرَاء وَالْبِضْع نِكَاحًا فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا وَوَجَبَتْ حِصَّة مَا سَلَّمَ لَهُ وَهُوَ الرَّقَبَة وَبَطَل عَنْهُ مَا لَمْ يُسَلِّم وَهُوَ الْبِضْع.
(وَلَوْ) لَمْ تَأْبَهُ (تَزَوَّجَتْهُ) أَيْ الْأُمَّة الْآمِر (فَحِصَّة الْمَهْرِ لَهَا) أَيْ الْأُمَّةُ (فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي صُورَتِي ضَمَّ عَنِّي وَتَرْكَهُ.
(وَحِصَّةُ الْقِيمَةِ لِلْمَوْلَى فِي الثَّانِي) أَيْ فِي صُورَةِ الضَّمِّ (وَهَدَرٌ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ وَحِصَّةُ الْقِيمَةِ هَدَرٌ فِي صُورَةِ تَرْكِ الضَّمِّ، وَقَيَّدَ بِاشْتِرَاطِ التَّزَوُّجِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسهَا فَزَوَّجَتْهُ فَلَهَا مَهْر مِثْلهَا عِنْد الطَّرَفَيْنِ وَعِنْد أَبِي يُوسُف يَجُوز جَعْلَ الْعِتْق صَدَاقًا فَإِنْ أَبَتْ فَعَلَيْهَا قِيمَتهَا فِي قَوْلهمْ جَمِيعًا، وَهَذَا شَامِلٌ لِلْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَة دُون أُمِّ الْوَلَد لَمَّا قَالَ فِي الْبَحْر عَنْ الْخَانِيَّة أَمُّ الْوَلَد إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا عَلَى أَنْ تُزَوَّجَ نَفْسهَا مِنْهُ فَقَبِلَتْ عَتَقَتْ فَإِنَّ أَبَتْ أَنْ تُزَوَّجَ نَفْسهَا مِنْهُ لَا سِعَايَة عَلَيْهَا انْتَهَى.
وَفِي الْمَنْح يُشْكِلُ عَلَى عَدَم وُجُوب السِّعَايَة هُنَا مَا ذَكَرُوهُ فِي مَسْأَلَة وُجُوب السِّعَايَة عَلَى أُمِّ الْوَلَد إذَا أَسْلَمَتْ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَسْعَى لِلْمَوْلَى فِي قِيمَتهَا؛ لِأَنَّهُ مَغْرُور مِنْ قِبَلِهَا، لَكِنْ إسْلَام أَمِّ الْوَلَد لَا يُوجِب الْعِتْق بَلْ تُعْتَق بِالسِّعَايَةِ لِئَلَّا تَكُون تَحْت الْكَافِر، وَلَا مَدْخَل لِلْمَوْلَى فِي إسْلَامهَا حَتَّى تَسْقُط بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَتْ أَنْ تُزَوَّجَ نَفْسهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاق مِنْ قِبَلِهِ فَافْتَرَقَا تَأْمُل.

.بَاب (التَّدْبِيرِ):

هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ.
وَفِي الْبَحْرِ فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِطْلَاقِ التَّدْبِيرُ الْمُقَيَّدُ كَعِتْقِهِ بِمَوْتٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ، وَكَذَا التَّعْلِيقُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِ غَيْرِهِ فَخَرَجَ أَيْضًا أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ بِالْإِعْتَاقِ فَلَا يُعْتَقُ بَعْدَ عِتْقِ الْمَوْلَى إلَّا بِإِعْتَاقِ الْوَارِثِ أَوْ الْوَصِيِّ وَخَرَجَ بِمَوْتِهِ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا أَصْلًا لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا فَإِذَا مَاتَ فُلَانٌ عَتَقَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ انْتَهَى.
فَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ مِنْ أَنَّهُ هُوَ تَعْلِيقُ الْمَوْلَى عَتَقَ مَمْلُوكُهُ بِالْمَوْتِ سَوَاءٌ كَانَ مَوْتُهُ أَوْ مَوْتُ غَيْرِهِ مُخَالِفًا تَأَمَّلْ.
وَهُوَ نَوْعَانِ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ فَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (الْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ مَنْ قَالَ لَهُ مَوْلَاهُ إذَا مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ) أَنْتَ حُرٌّ (يَوْمَ أَمُوتُ)؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ فَيَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا، وَلَوْ نَوَى بِالْيَوْمِ النَّهَارَ دُونَ اللَّيْلِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ بِاللَّيْلِ وَإِنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ فَيُعْتَقُ بِمَوْتِهِ نَهَارًا، وَلَهُ بَيْعُهُ (أَوْ مَعَ مَوْتِي)؛ لِأَنَّ اقْتِرَانَ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي وُجُودَهُ مَعَهُ (أَوْ عِنْدَ مَوْتِي أَوْ فِي مَوْتِي) فَإِنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ أَوَّلًا، وَفِي تُسْتَعَارُ بِمَعْنَى حَرْفِ الشَّرْطِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ تَبَعًا لِلْمُحِيطِ أَنَّ حَرْفَ الظَّرْفِ إذَا دَخَلَ عَلَى الْفِعْلِ يَصِيرُ شَرْطًا تَسَامُحٌ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ وَالْحَدَثُ كَالْمَوْتِ فَلَوْ قَالَ إنْ حَدَثَ لِي حَادِثٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَهُوَ مُدَبَّرٌ وَكَذَا إذَا ذَكَرَ مَكَانَ الْمَوْتِ أَوْ الْوَفَاةِ أَوْ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ (أَوْ) أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ قَدْ دَبَّرْتُك (أَوْ إنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ) أَيْ إنْ مِتّ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ (وَغَلَبَ مَوْتُهُ فِيهَا) بِأَنْ يَكُونَ ابْنَ ثَمَانِينَ سَنَةً مَثَلًا فَإِنَّهُ فِي الصُّورَةِ مُقَيَّدٌ وَفِي الْمَعْنَى مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ يَمُوتَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَا لَا يَعِيشُ إلَيْهِ الْمَوْلَى فِي الْغَالِبِ كَالتَّعْلِيقِ بِنَفْسِ مَوْتِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (أَوْ) قَالَ (أَوْصَيْت لَك بِنَفْسِك أَوْ) قَالَ أَوْصَيْت لَك (بِرَقَبَتِك)؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ نَفْسِهِ وَالْوَصِيَّةُ تَقْتَضِي زَوَالَ مِلْكِ الْمُوصِي وَانْتِقَالَهُ إلَى الْمُوصَى لَهُ وَأَنَّهُ فِي الْعَبْدِ حُرِّيَّةٌ مِثْلُ قَوْلِهِ بِعْت نَفْسَك مِنْك أَوْ وَهَبْتهَا لَك (أَوْ) قَالَ أَوْصَيْت لَك (بِثُلُثِ مَالِي)؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي مِلْكُهُ ثُلُثَ جَمِيعِ مَالِهِ، وَرَقَبَتُهُ مِنْ مَالِهِ فَيَمْلِكُهَا فَيُعْتَقُ، وَكَذَلِكَ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ وَلَوْ قَالَ بِجُزْئِهِ مِنْ مَالِهِ لَا يَكُونُ تَدْبِيرًا؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ جُزْءٍ مُبْهَمٍ وَالتَّعْيِينُ إلَى الْوَرَثَةِ فَلَا يَكُونُ رَقَبَتُهُ دَاخِلَةً فِي الْوَصِيَّةِ لَا مَحَالَةَ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ) بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ (إلَّا بِالْعِتْقِ) وَالْكِتَابَةِ فَلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُرْهَنُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يُجْعَلُ بَدَلَ الصُّلْحِ إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ التَّمْلِيكِيَّةِ كَالْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ (وَيَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُ وَكِتَابَتُهُ وَإِيجَازُهُ وَالْأَمَةُ) الَّتِي جُعِلَتْ مُدَبَّرَةً (تُوطَأُ وَتُزَوَّجُ) أَيْ يَجُوزُ لِلْمَوْلَى ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا جَبْرًا عَلَيْهَا وَكَذَا الْمُدَبَّرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي، التَّنْوِيرِ وَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ وَارِثِهِ وَبِمَهْرِ الْمُدَبَّرَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ (وَإِذَا مَاتَ سَيِّدُهُ) أَيْ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ (عَتَقَ) الْمُدَبَّرُ (مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ.
(وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) الْعَبْدُ (مِنْ الثُّلُثِ فَحِسَابُهُ) أَيْ بِحَسَبِ ثُلُثِ مَالِهِ فَيُعْتَقُ بِقَدْرِهِ وَيَسْعَى فِي بَاقِيهِ (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ) السَّيِّدُ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الْمُدَبَّرِ مِنْ الْمَالِ (سَعَى فِي ثُلُثَيْهِ) هَذَا إذَا كَانَ لِلسَّيِّدِ وَارِثٌ وَلَمْ يُجِزْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَوْ كَانَ لَكِنَّهُ أَجَازَهُ يُعْتَقُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَيَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ، وَلِكَوْنِهِ وَصِيَّةً لَوْ قَتَلَهُ الْمُدَبَّرُ فَإِنَّهُ (يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا قَتَلَتْ مَوْلَاهَا تُعْتَقُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا إنْ خَطَأً كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
(وَإِنْ اسْتَغْرَقَهُ) أَيْ الْمُدَبَّرَ (دَيْنُ الْمَوْلَى سَعَى فِي كُلِّ قِيمَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْقِيمَةِ هُنَا الْقِيمَةُ مُدَبَّرًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، قُيِّدَ بِكَوْنِ الدَّيْنِ مُسْتَغْرِقًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الدَّيْنِ ثُلُثُهَا وَصِيَّةٌ أَوْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ الزِّيَادَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
(وَلَوْ دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَضَمِنَ نِصْفَ شَرِيكِهِ) قِنًّا (ثُمَّ مَاتَ) الْمُدَبِّرُ (عَتَقَ نِصْفُهُ بِالتَّدْبِيرِ وَسَعَى فِي نِصْفِهِ)؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ عَلَى مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ تَدْبِيرٍ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا يُعْتَقُ جَمِيعُهُ بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَ بَعْضِهِ تَدْبِيرُ الْجَمِيعِ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ التَّجَزُّؤِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ إنْ كَانَ التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا وَإِنْ مُقَيَّدًا فَلَا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرِ لَيْسَ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ إنَّمَا هِيَ لِلْأُمِّ لَا لِلْأَبِ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْمُدَبَّرَةُ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ (وَالْمُقَيَّدُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْمُطْلَقُ (مَنْ قَالَ لَهُ إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا أَوْ مِنْ مَرَضِ كَذَا أَوْ إلَى عَشْرِ سِنِينَ أَوْ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ وَاحْتُمِلَ عَدَمُ مَوْتِهِ فِيهَا) بِأَنْ يَكُونَ ابْنَ خَمْسَةَ عَشْرَ سَنَةً مَثَلًا (فَيَجُوزُ بَيْعُهُ) وَهِبَتُهُ وَرَهْنُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ فَلَمْ يَنْعَقِدْ السَّبَبُ فِي الْحَالِ وَأَمَّا الْمَوْتُ الْمُطْلَقُ فَكَائِنٌ قَطْعًا.
(وَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ) أَيْ يُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا يُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ مِنْهُ لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَزَوَالِ التَّرَدُّدِ، وَهَذَا التَّشْبِيهُ لَيْسَ مِنْ وُجُوهٍ حَتَّى يَرُدَّ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: مِنْ أَنَّ التَّدْبِيرَ إذَا كَانَ مُطْلَقًا وَلَزِمَهُ السِّعَايَةُ يُقَوَّمُ الْمُعْتَقُ مُدَبَّرًا وَإِذَا كَانَ مُقَيَّدًا يُقَوَّمُ قِنًّا، فَلَا يَكُونُ عِتْقُ الْمُدَبَّرِ كَعِتْقِ الْمُطْلَقِ تَأَمَّلْ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ صَحِيحٌ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَمَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ عَتَقَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى أَوَّلِ شَهْرٍ قَبْلَ الْمَوْتِ وَهُوَ كَانَ صَحِيحًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقِيلَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الشَّهْرِ لَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ، وَقُيِّدَ بِالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْمَرَضِ فَيُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ إجْمَاعًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ.
وَفِي الْكَافِي إنْ مَاتَ فُلَانٌ أَوْ مِتُّ أَنَا فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ قَالَ إذَا مِتّ أَنَا أَوْ مَاتَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمَوْتِهِ بِصِفَةِ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَأَخِّرٍ عَنْ مَوْتِ فُلَانٍ فَصَارَ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا، وَعِنْدَ زُفَرَ فَيَصِيرُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا.

.بَاب (الِاسْتِيلَادِ):

هُوَ لُغَةً طَلَبُ الْوَلَدِ مُطْلَقًا وَأُمُّ الْوَلَدِ تَصْدُقُ لُغَةً عَلَى الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ لَهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ وَغَيْرُ ثَابِتٍ، وَشَرْعًا طَلَبُ الْمَوْلَى الْوَلَدَ مِنْ أَمَتِهِ وَأُمِّ الْوَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ، وَهُمَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي خُرِجَ بِهِمَا فِي الشَّرْعِ مِنْ الْعُمُومِ إلَى الْخُصُوصِ (لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْأَمَةِ) فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ (مِنْ مَوْلَاهَا) الْمُعْتَرِفِ بِوَطْئِهَا (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ) أَيْ الْوَلَدَ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بِالْحَمْلِ بِأَنْ يَقُولَ حَمْلُ هَذِهِ الْأَمَةِ مِنِّي أَوْ هِيَ حُبْلَى مِنِّي أَوْ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ وَلَدٍ فَهُوَ مِنِّي أَوْ قَالَ إنْ كَانَتْ حُبْلَى فَهُوَ مِنِّي، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ بَعْدَ مَا اسْتَبَانَ خَلْقُهُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِاعْتِرَافِهِ وَلَا يُقْبَلُ بَعْدَهُ إنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَإِنَّمَا كَانَ رِيحًا وَلَوْ صَدَّقَتْهُ الْأَمَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَا فِي بَطْنِهَا مِنِّي وَلَمْ يَقُلْ مِنْ حَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ كَانَ رِيحًا وَصَدَّقَتْهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ إذَا أَقَرَّ بِوَطْئِهَا وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ بِحَيْضَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَلَأَنْ يَثْبُتَ بِالْوَطْءِ أَوْلَى، وَلَنَا أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ يُقْصَدُ بِهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْهُ وَهُوَ ذَهَابُ تَقَوُّمِهَا بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَنُقْصَانُ قِيمَتِهَا عِنْدَهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَةِ بِخِلَافِ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْوَلَدَ مَقْصُودٌ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الدَّعْوَةِ.
وَفِي الْبَحْرِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ عَنْ الْإِمَامِ إذَا عَالَجَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَخَذَتْ الْجَارِيَةُ مَاءَهُ فِي شَيْءٍ فَاسْتَدْخَلَتْهُ فَرْجَهَا فِي حَدَثَانِ ذَلِكَ فَعَلِقَتْ الْجَارِيَةُ وَوَلَدَتْ فَالْوَلَدُ وَلَدُهُ وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ انْتَهَى.
هَذَا لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَمَا ادَّعَى الْمَوْلَى مَرَّةً وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ بِلَا دَعْوَةٍ تَأَمَّلْ (وَإِذَا ثَبَتَ) نَسَبُهُ مِنْهُ بِدَعْوَةٍ (صَارَتْ) الْأَمَةُ (أُمَّ وَلَدٍ) لَهُ (وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ) بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا هِبَتُهَا وَلَا تَمْلِيكُهَا حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهَا لَا يَنْفُذُ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ (إلَّا بِالْعِتْقِ) فَإِذَا أَعْتَقَهَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ تُعْتَقُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِيهَا (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (وَطْؤُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَتَزْوِيجُهَا وَكِتَابَتُهَا) لِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَوِلَايَةُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ تُسْتَفَادُ بِهِ، فَلِهَذَا إنَّ الْكَسْبَ وَالْغَلَّةَ وَالْعُقْرَ وَالْمَهْرَ لِلْمَوْلَى.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ زَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ لِلْمَوْلَى وَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ فَهُوَ وَلَدُ الزَّوْجِ وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَكِنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ (وَتُعْتَقُ بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ السَّيِّدِ (مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلَا تَسْعَى) أَيْ أُمُّ الْوَلَدِ (لِدَيْنِهِ) لِلْغَرِيمِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوَلَدِ أَصْلِيَّةٌ فَتُقَدَّمُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَا هُوَ مِنْ زَوَائِدِ الْحَوَائِجِ هَذَا إذَا أَقَرَّ فِي الصِّحَّةِ، أَمَّا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فِي مَرَضِهِ وَلَدْت مِنِّي فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ أَوْ حَبَلٌ تُعْتَقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا ادَّعَى الْمَوْلَى مَرَّةً (بِلَا دَعْوَةٍ) بِكَسْرِ الدَّالِ؛ لِأَنَّهُ بِدَعْوَى الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا مِنْهَا فَصَارَتْ فِرَاشًا لَهُ كَالْمَنْكُوحَةِ وَلِهَذَا لَزِمَهَا الْعِدَّةُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ بَعْدَ الْعِتْقِ، هَذَا إذَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِوَطْءِ أُمِّهَا وَنَحْوِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِالدَّعْوَةِ لِانْقِطَاعِ الْفِرَاشِ.
(وَإِنْ نَفَاهُ) بَعْدَمَا اعْتَرَفَ بِالْأَوَّلِ (انْتَفَى)؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ يَمْلِكُ نَقْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ حَيْثُ لَا يَنْتَفِي نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا بِاللِّعَانِ لِتَأَكُّدِ الْفِرَاشِ، وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ التَّنْوِيرِ فَقَالَ: إلَّا إذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ أَوْ تَطَاوَلَ الزَّمَانُ فَلَا يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفِرَاشَ إمَّا ضَعِيفٌ وَهِيَ الْأَمَةُ أَوْ مُتَوَسِّطٌ وَهِيَ أُمُّ الْوَلَدِ أَوْ قَوِيٌّ وَهِيَ الْمَنْكُوحَةُ وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهَا أَوْ أَقْوَى وَهِيَ الْمُعْتَدَّةُ فَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا وَلَا يَنْتَفِي أَصْلًا لِعَدَمِ اللِّعَانِ.
(وَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ فَوَلَدَتْ لَهُ (ثُمَّ مَلَكَهَا) بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ وَكَذَا) تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ (لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِمِلْكٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ ثُمَّ مَلَكَهَا)؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ ثَابِتٌ مِنْهُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَثَبَتَتْ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُهُ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إذَا مَلَكَهَا زَوْجُهَا بَعْدَمَا وَلَدَتْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِرَقِيقٍ فَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ (بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بِزِنًا ثُمَّ مَلَكَهَا) حَيْثُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْهُ.
(وَلَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ) أَوْ مُدَبَّرَتُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ النَّصْرَانِيِّ الْكَافِرُ (عُرِضَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَوْلَى (الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ لَهُ وَإِنْ أَبَى) أَيْ عَنْ الْإِسْلَامِ (سَعَتْ) أَيْ أُمُّ وَلَدِهِ الَّتِي أَسْلَمَتْ (فِي قِيمَتِهَا) وَالْمُرَادُ بِقِيمَتِهَا هُنَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ قِنًّا كَمَا فِي الْغَايَةِ (وَهِيَ كَالْمُكَاتَبَةِ) لَا تُعْتَقُ حَتَّى تُؤَدِّيَ.
وَقَالَ زُفَرُ تُعْتَقُ فِي الْحَالِ وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا (وَلَا تُرَقُّ بِعَجْزِهَا) عَنْ السِّعَايَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ رُدَّتْ قِنَّةً أُعِيدَتْ مُكَاتَبَةً لِقِيَامِ الْمُوجِبِ.
(وَإِنْ مَاتَ) النَّصْرَانِيُّ قَبْلَ السِّعَايَةِ (عَتَقَتْ بِلَا سِعَايَةٍ)؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ قُيِّدَ بِأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَتْ قِنَّةُ الذِّمِّيِّ عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ فَإِنْ أَسْلَمَ فَبِهَا وَإِلَّا يُجْبَرُ بِبَيْعِهَا تَخَلُّصًا مِنْ يَدِ الْكَافِرِ وَكَذَا قِنُّهُ (وَمَنْ ادَّعَى وَلَدَ أَمَةٍ لَهُ فِيهَا) أَيْ فِي الْأَمَةِ (شَرِيكٌ) أَيْ شَرِكَةٌ (ثَبَتَ نَسَبُهُ) أَيْ الْوَلَدِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ فِي نِصْفِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ ثَبَتَ فِي الْبَاقِي ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ لِمَا أَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْعُلُوقُ إذْ الْوَلَدُ الْوَاحِدُ لَا يَتَعَلَّقُ مِنْ مَاءَيْنِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّعْوَى فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ (وَصَارَتْ) الْأَمَةُ (أُمَّ وَلَدِهِ)؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ يَصِيرُ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالضَّمَانِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَضَمِنَ) الْمُدَّعِي (نِصْفَ قِيمَتِهَا) يَوْمَ الْعُلُوقِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا بِخِلَافِ ضَمَانِ الْعِتْقِ (وَ) ضَمِنَ (نِصْفَ عُقْرِهَا) لِوَطْئِهِ أَمَةً مُشْتَرَكَةً إذْ الْمِلْكُ يَثْبُتُ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَتَعَقَّبُهُ الْمِلْكُ فِي حَظِّ صَاحِبِهِ (لَا قِيمَةَ وَلَدِهَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ حِينَ الْعُلُوقِ وَالنَّسَبُ ثَبَتَ مِنْهُ فَصَارَ حُرًّا.
(وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا) وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْأَوْصَافِ أَيْ ادَّعَى الشَّرِيكَانِ وَلَدَ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِمَا وَكَذَا إذَا اشْتَرَيَاهَا حُبْلَى لَا يَخْتَلِفُ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْهُمَا وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ (ثَبَتَ) نَسَبُهُ (مِنْهُمَا) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَتَبَ إلَى شُرَيْحٍ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ إنْ لَبَّسَا فَلَبِّسْ عَلَيْهِمَا وَلَوْ بَيَّنَا فَبَيِّنْ لَهُمَا هُوَ ابْنُهُمَا يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ لِلْبَاقِي، مِنْهُمَا وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيْضًا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الْقَافَةِ فَيَعْمَلُ بِقَوْلِ الْقَائِفِ (وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُمَا)؛ لِأَنَّ دَعْوَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ رَاجِحَةٌ عَلَى دَعْوَةِ صَاحِبِهِ فَيَصِيرُ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدِهِ.
قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا حَبِلَتْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَمْلُ فِي مِلْكِ أَحَدِهِمَا نِكَاحًا ثُمَّ اشْتَرَاهَا هُوَ وَآخَرُ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْهَا صَارَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَلَا بَقَاؤُهُ عِنْدَهُ فَيَثْبُتُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَيْضًا، وَقَيَّدْنَا بِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْأَوْصَافِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَوِيَا فِيهَا بِأَنْ وُجِدَ الْمُرَجِّحُ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا لَا يُعَارِضُهُ الْمَرْجُوحُ، فَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ وَالْمُسْلِمُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ وَالذِّمِّيُّ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَالْكِتَابِيُّ عَلَى الْمَجُوسِيِّ، وَالْعِبْرَةُ لِهَذِهِ الْأَوْصَافِ وَقْتُ الدَّعْوَةِ لَا الْعُلُوقُ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ كَمَا قَيَّدْنَا لَكَانَ أَحْسَنَ تَأَمَّلْ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُزَوِّجَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ ثُمَّ يُزَوِّجَهَا فَإِنْ زَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا جَازَ النِّكَاحُ وَلَوْ أَعْتَقَهَا ثُمَّ زَوَّجَهَا لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ فَإِنْ زَوَّجَهَا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مِنْ الزَّوْجِ فَالْوَلَدُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ يُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ.
وَفِي الْبَحْرِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ وَإِنْ كَثُرُوا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَثْبُتُ مِنْ اثْنَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَا غَيْرُ.
وَقَالَ زُفَرُ يَثْبُتُ مِنْ خَمْسَةٍ فَقَطْ، وَلَوْ تَنَازَعَتْ فِيهِ امْرَأَتَانِ قَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَقْضِي لِلْمَرْأَتَيْنِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ (وَعَلَى كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (نِصْفُ عُقْرِهَا وَتَقَاصَّا) لِعَدَمِ فَائِدَةِ الِاشْتِغَالِ بِالِاسْتِيفَاءِ إلَّا إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَيَأْخُذُ مِنْهُ الزِّيَادَةَ إذْ الْمَهْرُ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهَا بِخِلَافِ الْبُنُوَّةِ وَالْإِرْثِ وَالْوَلَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُمَا سَوِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ نَصِيبًا مِنْ الْآخَرِ (وَيَرِثُ) الِابْنُ (مِنْ كُلِّ) وَاحِدٍ (مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ) كَامِلٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَرَّ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِبُنُوَّتِهِ عَلَى الْكَمَالِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ (وَيَرِثَانِ مِنْهُ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ)؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا فَيَقْتَسِمَانِ نَصِيبَهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْوَلَدِ فَجَمِيعُ مِيرَاثِهِ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا وَأَنْ لَا أَوْلَوِيَّةَ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ مُشْتَرَكَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَإِنْ ادَّعَى وَلَدَ أَمَةِ مُكَاتَبِهِ) يَعْنِي إنْ وَطِئَ الْمَوْلَى أَمَةَ مُكَاتَبِهِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ (فَصَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ ثَبَتَ نَسَبُهُ) أَيْ الْوَلَدِ (مِنْهُ) أَيْ الْمَوْلَى لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ (وَ) تَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَوْلَى (قِيمَتُهُ) أَيْ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى وَلَدِ الْمَغْرُورِ حَيْثُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ كَسَبَ كَسْبَهُ فَلَمْ يَرْضَ بِرِقِّهِ فَيَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ (وَ) يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى (عُقْرُهَا)؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا بِغَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ (وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً.
(وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ) أَيْ الْمُكَاتَبُ الْمَوْلَى فِي دَعْوَتِهِ (لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ وَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ اعْتِبَارًا بِالْأَبِ وَيَدَّعِي وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ وَجَوَابُهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي اكْتِسَابِ مُكَاتَبِهِ حَتَّى لَا يَتَمَلَّكَهُ وَالْأَبُ يَمْلِكُ تَمَلُّكَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ بِتَصْدِيقِ الِابْنِ (إلَّا إذَا دَخَلَ الْوَلَدُ فِي مِلْكِهِ وَقْتًا مَا) فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ بَاقٍ وَهُوَ الْمُوجِبُ وَزَوَالُ حَقِّ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ الْمَانِعُ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَغَيْرِهِ وَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَةُ غَيْرِهِ وَقَالَ أَحَلَّهَا لِي مَوْلَاهَا وَالْوَلَدُ وَلَدِي فَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى فِي الْإِحْلَالِ وَكَذَّبَهُ فِي الْوَلَدِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَوْ مَلَكَهَا بَعْدَ تَكْذِيبِهِ يَوْمًا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلَوْ صَدَّقَهُ فِي الْوَلَدِ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ امْرَأَتِهِ وَقَالَ ظَنَنْت حِلَّهَا لِي لَا حَدَّ وَلَا نَسَبَ وَإِنْ مَلَكَهُ يَوْمًا عَتَقَ عَلَيْهِ وَفِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ.

.كِتَابُ الْأَيْمَانِ:

الْأَيْمَانُ جَمْعُ الْيَمِينِ ذَكَرَهَا عَقِيبَ الْعَتَاقِ لِمُنَاسِبَتِهَا لَهُ فِي عَدَمِ تَأْثِيرِ الْهَزْلِ وَالْإِكْرَاهِ فَهُمَا كَالطَّلَاقِ وَقَدَّمَ الْعَتَاقَ عَلَيْهَا لِقُرْبِهِ مِنْ الطَّلَاقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِسْقَاطِ (الْيَمِينُ) فِي اللُّغَةِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْجَارِحَةِ وَالْقَسَمِ وَالْقُوَّةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُمْ يَتَمَاسَكُونَ بِأَيْمَانِهِمْ حَالَةَ التَّحَالُفِ.
وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْمِنَحِ وَمَفْهُومُ لَفْظَةِ الْيَمِينُ لُغَةً: جُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ صَرِيحَةُ الْجُزْأَيْنِ يُؤَكِّدُ بِهَا جُمْلَةً بَعْدَهَا خَبَرِيَّةً.
وَتَرْكُ لَفْظَةِ أُولَى يُصَيِّرُهُ غَيْرَ مَانِعٍ لِدُخُولِ نَحْوِ زَيْدٌ قَائِمٌ وَهُوَ عَلَى عَكْسِهِ فَإِنَّ الْأُولَى هِيَ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ انْتَهَى.
لَكِنَّ قَوْلَهُ يُؤَكِّدُ بِهَا جُمْلَةً بَعْدَهَا يُخْرِجُهُ أَيْضًا فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ أُولَى تَأَمَّلْ.
وَخَرَجَ بِالْإِنْشَائِيَّةِ نَحْوُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّ الْأُولَى لَيْسَتْ إنْشَائِيَّةً فَلَيْسَتْ التَّعَالِيقُ أَيْمَانًا لُغَةً.
وَفِي الشَّرْعِ (تَقْوِيَةُ) الْحَالِفِ (أَحَدِ طَرَفَيْ الْخَبَرِ) مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ (بِالْمُقْسَمِ بِهِ) وَهَذَا التَّعْرِيفُ أَوْلَى مِنْ تَعْرِيفِ صَاحِبِ الدُّرَرِ وَهُوَ تَقْوِيَةُ الْخَبَرِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ لِشُمُولِهِ الْحَلِفَ بِصِفَاتِ الذَّاتِ.
وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْفَتْحِ وَأَمَّا مَفْهُومُ لَفْظَةِ الْيَمِينِ اصْطِلَاحًا فَجُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ مُقْسَمٌ فِيهَا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَتِهِ يُؤَكِّدُ بِهَا مَضْمُونَ ثَانِيَةٍ فِي نَفْسِ السَّامِعِ ظَاهِرًا، أَوْ تَحْمِلُ الْمُتَكَلِّمَ عَلَى تَحْقِيقِ مَعْنَاهَا، فَدَخَلَ بِقَيْدِ ظَاهِرًا الْغَمُوسُ أَوْ الْتِزَامُ مَكْرُوهٍ كَكُفْرٍ أَوْ زَوَالِ مِلْكٍ عَلَى تَقْدِيرٍ لِيَمْنَعَ عَنْهُ أَوْ مَحْبُوبٍ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ، قَدْ خَلَتْ التَّعْلِيقَاتُ انْتَهَى.
لَكِنَّ قَوْلَهُ أُولَى مُسْتَدْرَكٌ أَيْضًا بِقَوْلِهِ يُؤَكِّدُ بِهَا مَضْمُونَ ثَانِيَةٍ تَدَبَّرْ.
وَفِي الْبَحْرِ وَسَبَبُهَا الْغَائِيُّ تَارَةً إيقَاعُ صِدْقِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَتَارَةً حَمْلُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ فَبَيْنَ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ لِتَصَادُقِهِمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَانْفِرَادُ اللُّغَوِيِّ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُعَظَّمُ وَانْفِرَادُ الِاصْطِلَاحِيِّ فِي التَّعْلِيقَاتِ وَشَرْطُهَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَمَنْ زَادَ الْحُرِّيَّةَ كَالشُّمُنِّيِّ فَقَدْ سَهَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ وَرُكْنُهَا اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهَا وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْبِرِّ أَصْلًا وَالْكَفَّارَةُ خَلَفًا كَمَا فِي الْكَافِي وَهُوَ بَيَانٌ لِبَعْضِ أَحْكَامِهَا؛ لِأَنَّ الْبِرَّ يَكُونُ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا، وَحَرَامًا وَأَنَّ الْحِنْثَ يَكُونُ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا.
وَفِي التَّبْيِينِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا مَشْرُوعٌ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَضْعًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَمِينًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ، وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا تُكْرَهُ وَتَقْلِيلُهُ أَوْلَى مِنْ تَكْثِيرِهِ، وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ لَا تُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا الْوَثِيقَةُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا.
وَفِي الْبَحْرِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ خَصْمُهُ لَا أُرِيدُ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ يُخْشَى عَلَى إيمَانِهِ.

.أقسام اليمين:

(وَهِيَ) أَيْ الْيَمِينُ (ثَلَاثٌ) بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ فَإِنَّهَا بِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ تُعَدَّ (غَمُوسٌ) هُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى إثْبَاتِ شَيْءٍ أَوْ نَفْيِهِ فِي الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فَهَذِهِ الْيَمِينُ يَأْثَمُ فِيهَا صَاحِبُهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْيَمِينُ الْغَمُوسُ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ وَمَنْ حَلَفَ كَاذِبًا أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ» وَسُمِّيَتْ غَمُوسًا؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ (وَهِيَ) أَيْ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ (حَلِفُهُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَوْ سُكُونِهَا يَمِينٌ يُؤْخَذُ بِهَا الْعَهْدُ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ كُلُّ يَمِينٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ حَلَفَ الْحَالِفُ بِاَللَّهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ أَوْ حَالٍ كَذِبًا عَمْدًا) حَالَانِ مِنْ الضَّمِيرِ فِي حَلِفَ بِمَعْنَى كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَتَيْنِ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ حَلِفًا، وَالْكَذِبُ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالسَّهْوِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، لَكِنْ فِي الْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْكَذِبَ يَرْجِعُ إلَى مَا فِي الذِّهْنِ دُونَ الْخَارِجِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَحُكْمُهَا) أَيْ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ (الْإِثْمُ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا) أَيْ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ (إلَّا التَّوْبَةَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَوْ مُتَّصِلٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ فِيهَا كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ بِالْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ فَبِالْغَمُوسِ أَوْلَى وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «خَمْسٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالْفِرَارُ عَنْ الزَّحْفِ وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ»، وَلِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ فَلَا تَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ.
(وَ) ثَانِيهَا (لَغْوٌ) سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُعْتَدُّ بِهَا فَإِنَّ اللَّغْوَ اسْمٌ لِمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ (وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ) أَوْ حَالٍ (يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ وَ) الْحَالُ (هُوَ بِخِلَافِهِ) أَيْ إنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ فِي الْمَوَاقِعِ خِلَافُ مَا ظَنَّهُ كَمَا إذَا حَلَفَ أَنَّ فِي هَذَا الْكُوزِ مَاءً عَلَى أَنَّهُ رَآهُ كَذَلِكَ ثُمَّ أُرِيقَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْ حَالٍ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي الْحَالِ أَيْضًا كَذَلِكَ.
وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا هِيَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ خَطَأً أَوْ غَلَطًا فِي الْمَاضِي أَوْ فِي الْحَالِ، وَهِيَ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ الْمَاضِي أَوْ عَنْ الْحَالِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ كَمَا أُخْبِرَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ فِي النَّفْيِ أَوْ فِي الْإِثْبَاتِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَمِينُ اللَّغْوِ هِيَ الْيَمِينُ الَّتِي لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ وَهُوَ مَا يَجْرِي عَلَى أَلْسُنِ النَّاسِ فِي كَلِمَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْيَمِينِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَاضِي أَوْ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَمَّا عِنْدَنَا فَلَا لَغْوَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ الْيَمِينُ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ يَمِينٌ مَعْقُودَةٌ فِيهَا الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ قَصَدَ الْيَمِينَ أَوْ لَا وَإِنَّمَا اللَّغْوُ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَقَطْ، وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى أَثَرِ حِكَايَتِهِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ اللَّغْوَ مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَغْوٌ، فَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي يَمِينٍ لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَعِنْدَنَا لَيْسَتْ بِلَغْوٍ وَعِنْدَهُ هِيَ لَغْوٌ انْتَهَى.
وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ اللَّغْوَ أَعَمُّ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ جَعَلَهَا لَغْوًا، وَعَلَى تَفْسِيرِهِ لَا يَكُونُ لَغْوًا فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَاضِي لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ.
(وَحُكْمُهَا رَجَاءُ الْعَفْوِ) أَيْ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا صَاحِبَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} وَإِنَّمَا عَلَّقَ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِالرَّجَاءِ مَعَ أَنَّ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ إمَّا تَوَاضُعًا أَوْ لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِ اللَّغْوِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ الْيَمِينُ اللَّغْوُ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا صَاحِبُهَا إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ.
(وَ) ثَالِثُهَا (مُنْعَقِدَةٌ وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ إنْ حَنِثَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَمِينُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِفْظُ عَلَى الْحِنْثِ وَالْهَتْكِ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَفِي هَذَا الْمَحَلِّ بَحْثٌ فِي الدُّرَرِ فَلْيُطَالَعْ، (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ (مَا يَجِبُ فِيهِ الْبِرُّ) أَيْ حِفْظُ يَمِينِهِ (كَفِعْلِ الْفَرَائِضِ) كَأَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ رَمَضَانَ (وَتَرْكِ الْمَعَاصِي) مِثْلُ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ (وَمِنْهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْحِنْثُ كَفِعْلِ الْمَعَاصِي) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ الزِّنَا الْيَوْمَ (وَتَرْكُ الْوَاجِبَاتِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَا أُصَلِّي عَصْرَ الْيَوْمِ فَيَجِبُ أَنْ يَتْرُكَ الزِّنَا وَيُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَيُكَفِّرَ (وَمِنْهَا مَا يُفَضَّلُ فِيهِ الْحِنْثُ) عَلَى الْبِرِّ (كَهِجْرَانِ الْمُسْلِمِ وَنَحْوِهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ (وَمَا عَدَا ذَلِكَ) مِمَّا لَا يُفَضَّلُ فِيهِ الْحِنْثُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا (يُفَضَّلُ فِيهِ الْبِرُّ) عَلَى الْحِنْثِ (حِفْظًا لِلْيَمِينِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} أَيْ عَنْ الْحِنْثِ (وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي) فَسَّرَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ بِالْمُخْطِئِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ نَاسِيًا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ ثُمَّ نَسِيَ فَحَلَفَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَالْمُكْرَهِ فِي الْحَلِفِ وَالْحِنْثُ) أَيْ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِهَا بَيْنَ الْمُكْرَهِ فِيهِمَا وَغَيْرِهِ أَمَّا فِي الْحَلِفِ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ» وَأَمَّا فِي الْحِنْثِ فَلِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَكَذَا لَوْ فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ رَفْعَ الذَّنْبِ فَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الذَّنْبِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.

.الكفارة في اليمين:

(وَهِيَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ (عِتْقُ رَقَبَةٍ) أَيْ إعْتَاقُهَا وَقَدْ حَقَّقْنَا فِي الظِّهَارِ وَجْهَ الْعِتْقِ مَقَامَ الْإِعْتَاقِ فَمِنْ الظَّنِّ الْحَسَنِ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ (أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كَمَا فِي عِتْقِ الظِّهَارِ) أَيْ يُجْزِئُ فِيهَا مَا يُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ مِنْ الرَّقَبَةِ كَمَا بَيَّنَ فِي الظِّهَارِ (وَإِطْعَامُهُ) أَيْ يُجْزِئُ فِيهَا مَا يُجْزِئُ فِي الظِّهَارِ مِنْ الْإِطْعَامِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ أَيْضًا (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) أَيْ كِسْوَةُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ (كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الْعَشَرَةِ (ثَوْبًا) جَدِيدًا أَوْ خَلَقًا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْجَدِيدِ (يَسْتُرُ عَامَّةَ بَدَنِهِ) أَيْ أَكْثَرَهُ وَهُوَ أَدْنَاهُ وَذَلِكَ قَمِيصٌ وَإِزَارٌ وَرِدَاءٌ، وَلَكِنْ مَا لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ يُجْزِيهِ عَنْ الْإِطْعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (هُوَ الصَّحِيحُ) الْمَرْوِيُّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ لَابِسَ مَا يَسْتُرُ بِهِ أَقَلَّ الْبَدَن يُسَمَّى عَارِيًّا عُرْفًا فَلَا يَكُونُ مُكْتَسِيًا (فَلَا يُجْزِئُ السَّرَاوِيلُ) وَفِي الْمَبْسُوطِ أَدْنَى الْكِسْوَةِ مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَتَجُوزُ السَّرَاوِيلُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لِلرَّجُلِ يَجُوزُ وَلِلْمَرْأَةِ لَا يَجُوزُ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ مَا فِي الْمَتْنِ، ثُمَّ إنَّ الْأَصْلَ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الْآيَةَ وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ (فَإِنْ عَجَزَ) الظَّاهِرُ بِالْوَاوِ (عَنْ أَحَدِهَا) أَيْ عَنْ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (عِنْدَ الْأَدَاءِ) أَيْ عِنْدَ إرَادَةِ الْأَدَاءِ لَا عِنْدَ الْحِنْثِ، حَتَّى لَوْ حَنِثَ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ حَنِثَ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْسَرَ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ، وَيُشْتَرَطُ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الصَّوْمِ، فَلَوْ صَامَ الْمُعْسِرُ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْحِنْثِ (صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ) حَتَّى لَوْ مَرِضَ فِيهَا وَأَفْطَرَ أَوْ حَاضَتْ اسْتَقْبَلَ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ، وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُخَيَّرُ بَيْنَ التَّتَابُعِ وَعَدَمِهِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعَنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَدْرَ مَا يُشْتَرَطُ بِهِ طَعَامُ الْعَشَرَةِ لَا يَصُومُ وَعَنْ ابْنِ الْمُقَاتِلِ إنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ الطَّعَامُ وَقُوتُ يَوْمَيْنِ لَا يَصُومُ وَفِي الْأَصْلِ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ مَعَ الدَّيْنِ صَامَ بَعْدَ قَضَائِهِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَلَوْ بَذَلَ ابْنُ الْمُعْسِرِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِيُكَفِّرَ بِهِ لَمْ تَثْبُتْ الْقُدْرَةُ بِالْإِجْمَاعِ (فَلَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يَصِحُّ (التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ) سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَالِ أَوْ بِالصَّوْمِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُجْزِيهَا بِمَالٍ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا بَعْدَ سَبَبٍ وَهُوَ الْيَمِينُ فَأَشْبَهَ التَّكْفِيرَ بَعْدَ الْجُرْحِ، وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسَتْرِ الْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ غَيْرُ مُفْضٍ بِخِلَافِ الْجُرْحِ؛ لِأَنَّهُ مُفْضٍ، ثُمَّ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْ الْمِسْكِينِ لِوُقُوعِهِ صَدَقَةً كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ لِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ وَهِيَ مُهِمَّةٌ، قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَيَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ بِتَعَدُّدِ الِاسْمِ لَكِنْ بِشَرْطِ تَخَلُّلِ حَرْفِ الْقَسَمِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا يَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
(وَلَا كَفَّارَةَ فِي حَلِفِ كَافِرٍ) بِاَللَّهِ تَعَالَى.
(وَإِنْ): وَصْلِيَّةٌ (حَنِثَ) حَالَ كَوْنِهِ (مُسْلِمًا)؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ تَعْظِيمًا، وَأَمَّا تَحْلِيفُهُ الْقَاضِي فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا رَجَاءُ النُّكُولِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ تَعَظُّمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ (وَلَا تَصِحُّ يَمِينُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّتِهِمَا (وَالنَّائِمِ) لِانْعِدَامِ الِاخْتِيَارِ فِيهِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالنَّائِمِ.

.فَصَلِّ: حُرُوفُ الْقَسَمِ:

(وَحُرُوفُ الْقَسَمِ) الْأُولَى حُرُوفُ الْقَسَمِ بِدُونِ الْوَاوِ (الْوَاوُ) وَهِيَ بَدَلٌ عَنْ الْبَاءِ تَدْخُلُ عَلَى الْمُظْهَرِ لَا الْمُضْمَرِ فَلَا يُقَالُ و ك و هـ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا فَلَا يُقَالُ احْلِفْ وَاَللَّهِ (وَالْبَاءُ) وَهِيَ الْأَصْلُ فِيهَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ نَحْوُ أَفْعَلُ بِهِ أَوْ بِك إذَا تَعَيَّنَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ فِيهَا نَحْوُ حَلَفْت بِاَللَّهِ فَعَلَى هَذَا الْأَنْسَبُ تَقْدِيمُ الْبَاءِ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ الْوَاوَ لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ اسْتِعْمَالًا عِنْدَ الْعَرَبِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَسَمَ حَلَفْتُ وَالْبَاءُ لِلصِّلَةِ (وَالتَّاءُ) وَهِيَ بَدَلٌ عَنْ الْوَاوِ وَلَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى لَفْظَةِ اللَّهِ خَاصَّةً نَحْوُ تَاللَّهِ وَلَا تَقُولُ تَالرَّحْمَنِ تَالرَّحِيمِ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا وَلِلْقَسَمِ حُرُوفٌ أُخَرُ وَهِيَ لَامُ الْقَسَمِ وَحُرُوفُ التَّنْبِيهِ وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَقَطْعُ أَلِفِ الْوَصْلِ وَالْمِيمُ الْمَكْسُورَةُ وَالْمَضْمُومَةُ فِي الْقَسَمِ وَمِنْ، كَقَوْلِهِ لِلَّهِ وَهَا اللَّهِ وَاَللَّهِ وَمَاللَّهِ وَمِنْ اللَّهِ، وَاللَّامُ بِمَعْنَى الْبَاءِ وَيَدْخُلُهُمَا مَعْنَى التَّعَجُّبِ وَرُبَّمَا جَاءَتْ الْبَاءُ لِغَيْرِ التَّعَجُّبِ دُونَ اللَّازِمِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (وَقَدْ تُضْمَرُ) حُرُوفُ الْقَسَمِ فَيَكُونُ حَلِفًا؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْحَرْفِ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ إيجَازًا (كَاَللَّهِ أَفْعَلُهُ) أَيْ لَا أَفْعَلُهُ وَإِلَّا يَلْزَمْ أَنْ يَقُولَ لَأَفْعَلَنهُ فَتَكُونَ كَلِمَةُ لَا مُضْمَرَةً فِيهِ؛ لِأَنَّ نُونَ التَّأْكِيدِ تَلْزَمُ فِي مُثْبَتِ الْقَسَمِ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ إذَا حُذِفَ الْحَرْفُ وَلَمْ يُعَوَّضْ عَنْهُ هَاءُ التَّنْبِيهِ وَلَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَلَا قَطْعُ أَلِفِ الْوَصْلِ لَمْ يَجُزْ الْخَفْضُ إلَّا فِي اسْمِ اللَّهِ بَلْ يُنْصَبُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ أَوْ يُرْفَعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ إلَّا فِي اسْمَيْنِ اُلْتُزِمَ فِيهِمَا الرَّفْعُ وَهُمَا أَيْمُنُ اللَّهِ وَلَعَمْرُك انْتَهَى.
لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ حَرْفُ التَّنَبُّهِ وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مِنْ أَدَوَاتِ الْقَسَمِ وَقَدْ صُرِّحَ بِأَنَّهُمَا مِنْهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الْعِوَضَ بَعُدَ مِنْ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا قَالَ تُضْمَرُ وَلَمْ يَقُلْ تُحْذَفُ؛ لِأَنَّ فِي الْإِضْمَارِ يَبْقَى أَثَرُهُ بِخِلَافِ الْحَذْفِ، لَكِنْ بَقِيَ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْأَثَرِ يَخْتَصُّ بِحَالَةِ الْجَرِّ دُونَ حَالَةِ النَّصْبِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُعَبَّرَ فِيهَا بِالْحَذْفِ تَأَمَّلْ (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ) أَيْ بِهَذَا الِاسْمِ الشَّرِيفِ وَهُوَ اسْمٌ لِلذَّاتِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ بِسْمِ اللَّهِ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ.
وَفِي الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ يَمِينٌ مَعَ النِّيَّةِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَمِينٌ مُطْلَقًا وَالْإِطْلَاقُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ وَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا أَوْ مَنْصُوبًا أَوْ سَاكِنًا؛ لِأَنَّهُ ذِكْرَ اللَّهِ مَعَ حُرُوفِ الْقَسَمِ.
وَالْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ غَيْرُ مَانِعٍ هَذَا إذَا ذُكِرَ بِالْبَاءِ، وَأَمَّا بِالْوَاوِ لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالْجَرِّ (أَوْ بِاسْمٍ) هُوَ عُرْفًا لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى الذَّاتِ وَالصِّفَةِ فَاَللَّهُ اسْمٌ عَلَى رَأْيٍ (مِنْ أَسْمَائِهِ) مُطْلَقًا وَلَوْ غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِهِ كَالْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ سَوَاءٌ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ أَوْ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ثَبَتَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرَ» وَالْحَلِفُ بِسَائِرِ أَسْمَائِهِ تَعَالَى حَلِفٌ بِاَللَّهِ وَمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَوْ بِدَلَالَتِهِ لَا يُرَاعَى فِيهِ الْعُرْفُ (كَالرَّحْمَنِ) فَإِنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى (وَالرَّحِيمِ) يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ (وَالْحَقُّ) أَيْ مَنْ لَا يُقَبَّحُ مِنْهُ فِعْلٌ فَهُوَ صِفَةٌ سَلْبِيَّةٌ، وَقِيلَ مَنْ لَا يَفْتَقِرُ فِي وُجُودِهِ إلَى غَيْرِهِ وَقِيلَ الصَّادِقُ فِي الْقَوْلِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ غَيْرَ الْمُخْتَصِّ بِهِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ وَالْغَايَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا تَتَعَيَّنُ الْإِرَادَةُ إلَّا بِالنِّيَّةِ (وَ) لِهَذَا اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ إلَّا فِيمَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى (كَالْحَكِيمِ وَالْعَلِيمِ) وَفِي الْبَحْرِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ وَإِنْ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى الْخَلْقِ لَكِنْ تَعَيُّنُ الْخَالِقِ مُرَادٌ بِدَلَالَةِ الْقَسَمِ إذْ الْقَسَمُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الصِّحَّةِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ يَحْلِفُ بِهَا عُرْفًا) أَيْ فِي عُرْفِ الْعَرَبِ بِلَا وُرُودِ نَهْيٍ (كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ)؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمَ صِفَاتِهِ، فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا سَوَاءٌ كَانَ صِفَاتِ الْفِعْلِ أَوْ الذَّاتِ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ.
وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ صِفَاتُ الذَّاتِ مُطْلَقًا يَمِينٌ لَا صِفَاتُ الْفِعْلِ وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا وَبِضِدِّهَا كَالرَّحْمَةِ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ وَكُلُّ صِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا وَلَا يُوصَفُ بِضِدِّهَا كَالْعِزَّةِ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وَقَالُوا إنَّ ذِكْرَ الصِّفَاتِ لِلذَّاتِ كَذِكْرِ الذَّاتِ وَذِكْرَ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَيْسَ كَذِكْرِ الذَّاتِ وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ مَشْرُوعٌ دُونَ غَيْرِهِ، لَكِنَّ هَذَا الطَّرِيقَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ بِهَذَا الْفَرْقِ الْإِشَارَةَ إلَى مَذْهَبِهِمْ أَنَّ صِفَاتِ الْفِعْلِ غَيْرُ اللَّهِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ كُلُّهَا قَدِيمَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْكَافِي وَلِهَذَا اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فَقَالَ يَحْلِفُ بِهَا عُرْفًا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ (لَا) يَكُونُ الْيَمِينُ (بِغَيْرِ اللَّهِ) فَإِنَّهُ حَرَامٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ شِرْكٌ فَمَا أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِغَيْرِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَالضُّحَى وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَحْلِفَ بِهَا وَمَا اعْتَادَ النَّاسُ مِنْ الْحَلِفِ بجان نُون وسرتو فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ حَلِفٌ وَالْبِرُّ بِهِ وَاجِبٌ يُكَفِّرُ.
وَقَالَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ إنِّي أَخَافُ الْكُفْرَ عَلَى مَنْ قَالَ بِحَيَاتِي وَحَيَاتِك وَمَا أَشْبَهَهُ.
وَفِي الْمُنْيَةِ أَنَّ الْجَاهِلَ الَّذِي يَحْلِفُ بِرُوحِ الْأَمِيرِ وَحَيَاتِهِ وَرَأْسِهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ إسْلَامُهُ بَعْدُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (كَالْقُرْآنِ) وَسُورَةٍ مِنْهُ وَالْمُصْحَفُ وَالشَّرَائِعُ وَالْعِبَادَاتُ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا (وَالنَّبِيِّ وَالْعَرْشِ وَالْكَعْبَةِ)؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ مَا تَعَارَفُوهَا يَمِينًا وَذَلِكَ إذَا لَمْ يُرِدْ بِالْقُرْآنِ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ أَمَّا لَوْ أُرِيدَ فَيَكُونُ يَمِينًا هَذَا إذَا قَالَ وَالْقُرْآنِ وَالنَّبِيِّ، أَمَّا لَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالنَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمَا كُفْرٌ، وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمُصْحَفِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَمَا فِي الْكَافِي.
وَفِي الْفَتْحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَلِفَ بِالْمُصْحَفِ الْآنَ مُتَعَارَفٌ فَيَكُونُ يَمِينًا وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ.
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ لَوْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ أَوْ قَالَ وَحَقُّ هَذَا فَهُوَ يَمِينٌ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي كَثُرَ فِيهِ الْحَلِفُ بِهِ (وَلَا) يَكُونُ الْيَمِينُ أَيْضًا (بِصِفَةٍ لَا يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا) أَيْ فِي عُرْفِ الْعَرَبِ (كَرَحْمَتِهِ) تَعَالَى مِنْ الصِّفَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ فَإِنَّ مَرْجِعَهُ الْإِرَادَةُ إذْ الْمَعْنَى إرَادَةُ الْإِنْعَامِ (وَعِلْمِهِ) صِفَةٌ بِهَا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَرِضَاهُ) أَيْ تَرْكُهُ الِاعْتِرَاضَ لَا الْإِرَادَةَ كَمَا قَالَ الْمُعْتَزِلَةُ فَإِنَّ الْكُفْرَ مَعَ كَوْنِهِ مُرَادًا لَهُ تَعَالَى لَيْسَ مَرْضِيًّا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ وَيُؤَاخَذُ بِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَغَضَبِهِ) أَيْ انْتِقَامِهِ وَكَوْنِهِ مُعَاقِبًا لِمَنْ عَصَاهُ (وَسَخَطِهِ) أَيْ إنْزَالِ عُقُوبَتِهِ وَفِي الْأَصْلِ الْغَضَبُ الشَّدِيدُ الْمُقْتَضِي لِلْعُقُوبَةِ (وَعَذَابِهِ) أَيْ عُقُوبَتِهِ (وَقَوْلُهُ) مُبْتَدَأٌ (لَعَمْرُ اللَّهِ) عَطْفُ بَيَانٍ (يَمِينٌ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَالْعَمْرُ هُوَ الْبَقَاءُ مَضْمُومًا وَمَفْتُوحًا وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي الْيَمِينِ إلَّا الْمَفْتُوحُ وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْبَاقِي وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَاللَّامُ لِتَوْكِيدِ الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ هُوَ قَسَمِي أَوْ مَا أُقْسِمُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَعَمْرُ فَلَا؛ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ فَإِذَا حَلَفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبَرَّ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ فَإِنَّ الْبِرَّ فِيهِ كُفْرٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ.
(وَكَذَا) يَمِينُ قَوْلِهِ (وَأَيْمُ اللَّهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ ضَمَّ الْمِيمِ مَقْصُورًا وَأَيْمَنُ اللَّهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَقَدْ يُقَالُ هَيْمُ اللَّهِ بِقَلْبِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ هَاءً وَقَدْ تُحْذَفُ الْيَاءُ مَعَ النُّونِ فَيُقَالُ أَمْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَلَا يُسْتَعْمَلُ مَقْصُورًا إلَّا أَيْمَنُ مَعَ الْجَلَالَةِ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ عِنْدَ الْكُوفِيَّةِ وَهَمْزَتُهُ قَطْعِيَّةٌ جُعِلَتْ وَصْلِيَّةً لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ تَخْفِيفًا وَنَفْيِ سِيبَوَيْهِ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ لَا يَبْقَى عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهَمْزَتُهُ وَصْلِيَّةٌ عِنْدَهُ اُجْتُلِبَتْ لِيُمْكِنَ بِهِ النُّطْقُ، وَعِنْدَ الْبَصْرِيَّةِ هُوَ مِنْ صِلَاتِ الْقَسَمِ وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهِ أَيْ كَلِمَةً مُسْتَقِلَّةً كَالْوَاوِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَيْمُ اللَّهِ بِدُونِ الْوَاوِ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ اخْتِيَارَ الْأَكْثَرِ كَوْنُهُ جَمْعَ الْيَمِينِ فَأَتَى بِالْوَاوِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ تَأَمَّلْ (وَ) كَذَا لَوْ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ (سوكند ميخورم بخداي) يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ هُوَ مَجَازٌ إذْ الشَّرْطِيَّةُ لَيْسَتْ بِقَسَمٍ.
(وَكَذَا قَوْلُهُ وَعَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ) وَكَذَا وَذِمَّتُهُ وَأَمَانَتُهُ؛ لِأَنَّ الْعَهْدَ يَمِينٌ وَالْمِيثَاقُ فِي مَعْنَاهُ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ إلَّا إذَا قُصِدَ بِهِ غَيْرُ الْيَمِينِ فَيَدِينُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ هَذَا النَّوْعُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ (وَ) كَذَا (أُقْسِمُ وَأَحْلِفُ) بِكَسْرِ اللَّامِ (وَأَشْهَدُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ فَجُعِلَ حَلِفًا فِي الْحَالِ.
(وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) مَعَهُ لَفْظَةُ (بِاَللَّهِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا قَالَ بِاَللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ نَوَى فَهُوَ يَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا.
(وَكَذَا) قَوْلُهُ (عَلَى نَذْرٍ) هُوَ أَنْ تُوجِبَ عَلَى نَفْسِك مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ (أَوْ) عَلَى (يَمِينٍ) مَعْنَاهُ عَلَى مُوجِبِ يَمِينٍ (أَوْ) عَلَى (عَهْدٍ)؛ لِأَنَّ الْعَهْدَ بِمَعْنَى الْيَمِينِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُضِفْ) هَذِهِ الْأَلْفَاظَ (إلَى اللَّهِ) لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا يَمِينًا مُنْعَقِدَةً مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ، حَتَّى إذَا لَمْ يُضِفْ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرُ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَكِنْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِهَذَا النَّذْرِ الْمُطْلَقِ شَيْئًا مِنْ الْقُرَبِ كَحَجٍّ أَوْ صَوْمٍ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا مِنْهَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا فَعَلَيْهِ مَا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، (وَكَذَا قَوْلُهُ إنْ فَعَلَ كَذَا) أَيْ إنْ دَخَلَ الدَّارَ مَثَلًا (فَهُوَ كَافِرٌ أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ) أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ غَيْرُهَا (أَوْ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ) أَوْ مِنْ الرُّسُلِ أَوْ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ الْقِبْلَةِ أَوْ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا مِمَّا إذَا أَنْكَرَهُ صَارَ كَافِرًا يَمِينٌ يَسْتَوْجِبُ الْكَفَّارَةَ إذَا حَنِثَ إنْ كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَمَّا فِي الْمَاضِي لِشَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ فَهُوَ الْغَمُوسُ وَلَا يَكْفُرُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْكُفْرَ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ وَالتَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ هُوَ كَافِرٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَالِفَ لَمْ يَكْفُرُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَلِهَذَا قَالَ (وَلَا يَصِيرُ كَافِرًا بِالْحِنْثِ فِيهَا سَوَاءٌ عَلَّقَهُ) أَيْ الْكُفْرَ (بِمَاضٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ إنْ كَانَ يَعْلَمُ) الْحَالِفُ (أَنَّهُ يَمِينٌ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ يَصِيرُ بِهِ كَافِرًا) وَفِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِهِ يَكْفُرُ وَإِلَّا فَلَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي جَمِيعًا.
وَفِي الْبَحْرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ يَمِينٌ إمَّا مُنْعَقِدَةٌ أَوْ غَمُوسٌ لَا يَكْفُرُ بِالْمَاضِي وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا، وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِالْحَلِفِ فِي الْغَمُوسِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَكْفُرُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ أَنَّ الْمُقَدِّمَ يَكْفُرُ فَقَدْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ (وَقَوْلُهُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي لَيْسَ بِيَمِينٍ (إنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ سَخَطُهُ أَوْ لَعْنَتُهُ أَوْ هُوَ زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا لَيْسَ بِيَمِينٍ) لِعَدَمِ التَّعَارُفِ.
(كَذَا) لَيْسَ بِيَمِينٍ (قَوْلُهُ حَقًّا أَوْ وَحَقِّ اللَّهِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا فَلِهَذَا قَالَ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ حَقِيقَةٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْحَقِّ وَالْحَلِفُ بِهِ مُتَعَارَفٌ وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الِاخْتِيَارِ وَلَهُمَا أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى إذْ الطَّاعَاتُ حُقُوقُهُ فَيَكُونُ حَالِفًا بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، قُيِّدَ بِالْحَقِّ الْمُضَافِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَالْحَقِّ يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ حَقًّا لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْمُنَكَّرَ مِنْهُ يُرَادُ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ وَمَعْنَاهُ أَفْعَلُ هَذَا لَا مَحَالَةَ لَكِنْ هَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَقَّ إمَّا أَنْ يُذْكَرَ مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا أَوْ مُضَافًا فَالْحَقُّ مُعَرَّفًا سَوَاءٌ بِالْوَاوِ أَوْ بِالْيَاءِ يَمِينٌ اتِّفَاقًا وَمُنَكَّرًا يَمِينٌ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ نَوَى وَمُضَافًا إنْ كَانَ بِالْبَاءِ فَيَمِينٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ بِالْوَاوِ فَفِيهِ الِاخْتِلَافُ السَّابِقُ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَمِينٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَبِهَذَا ظَهَرَ قُصُورُ الْمَتْنِ تَأَمَّلْ.
(وَكَذَا) لَيْسَ بِيَمِينٍ (قَوْلُهُ سوكند خورم بخداي)؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ.
وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَمِينٌ (يَا بِطَلَاقِ زن) وَالْأَحْسَنُ أَوْ مَكَانَ، يَا أَيْ أَوْ سوكند خورم بِطَلَاقِ زن، إلَّا أَنَّهُ رَاعَى تَنَاسُبَ الطَّرَفَيْنِ (وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ) عَلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ حَرَّمْت عَلَيَّ طَعَامِي أَوْ نَحْوَهُ (لَا يَحْرُمُ)؛ لِأَنَّهُ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَغَيْرِهِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي ذَلِكَ.
(وَإِنْ اسْتَبَاحَهُ) أَيْ إنْ عَامَلَ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ (أَوْ شَيْئًا مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْجَوَارِي، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ حُرْمَتَهُ مُعَلَّقَةً عَلَى فِعْلِهِ فَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ أَكَلْت هَذَا الطَّعَامَ فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ قَالَ شَيْئًا مَكَانَ مِلْكِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْأَعْيَانَ وَالْأَفْعَالَ وَمِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ، وَمَا كَانَ حَلَالًا وَمَا كَانَ حَرَامًا فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا قَالَ كَلَامُك عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ مَعِي أَوْ الْكَلَامُ مَعَك حَرَامٌ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ (وَقَوْلُهُ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ) يُحْمَلُ (عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فَرَغَ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ فِعْلًا مُبَاحًا وَهُوَ التَّنَفُّسُ وَنَحْوُهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْبِرُّ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْعُمُومِ فَيَسْقُطُ الْعُمُومُ فَيَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُتَنَاوَلُ عَادَةً، وَلَوْ نَوَى امْرَأَتَهُ دَخَلَتْ مَعَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَصَارَ مُولِيًا وَإِنْ نَوَى امْرَأَتَهُ وَحْدَهَا صُدِّقَ وَلَا يَحْنَثُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا يَكُونُ طَلَاقًا عُرْفًا وَيَقَعُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُمْ تَعَارَفُوهُ فَصَارَ كَالصَّرِيحِ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَالْفَتْوَى) عَلَى (أَنَّهُ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ بِلَا نِيَّةٍ) لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً هَذَا إذَا كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَإِنْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِانْصِرَافِهِ عِنْدَ عَدَمِ الزَّوْجَةِ إلَيْهِمَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ (وَمِثْلُهُ) قَوْلُهُ (حَلَال بروى حرام) وَمَعْنَاهُ الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامُ أَوْ حَلَالُ اللَّهِ أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ (وَقَوْلُهُ هرجه بدست راست كيرم بروي حَرَامٌ) وَفِي التَّبْيِينِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ تُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُجْعَلُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ.
وَفِي الْكَافِي لَوْ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَعَلَيْهِ الْبَيَانُ فِي الْأَظْهَرِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا تَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ.
(وَمَنْ نَذَرَ) بِمَا هُوَ وَاجِبٌ قَصْدًا مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ (نَذْرًا مُطْلَقًا) غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ بِقَرِينَةِ التَّقَابُلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ أَوْ اعْتِكَافٌ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَأَرَادَ بِهِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ كَالصَّدَقَةِ، فَإِنَّ هَذِهِ عِبَادَاتٌ مَقْصُودَةٌ وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ النَّذْرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ النَّاذِرَ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضٌ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالسِّقَايَةِ وَعِمَارَتِهِمَا وَإِكْرَامِ الْأَيْتَامِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَكْفَانِ الْمَوْتَى وَتَطْلِيقِ امْرَأَتِهِ وَتَزْوِيجِ فُلَانَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ الْمَقْصُودَةِ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَقْيِيدُهُ كَمَا قَيَّدْنَاهُ تَأَمَّلْ (أَوْ) نَذَرَ (مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ) أَيْ يُرِيدُ وُجُودَهُ بِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ (كَإِنْ قَدِمَ غَائِبِي) أَوْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ مَاتَ عَدُوِّي فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ أَوْ عِتْقُ مَمْلُوكٍ أَوْ صَلَاةٌ (وَوُجِدَ) ذَلِكَ الشَّرْطُ عَطْفٌ عَلَى نَذْرِ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِهِ أَوْ مُعَلَّقًا (لَزِمَهُ الْوَفَاءُ) بِمَا نَذَرَ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْكَفَّارَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ.
(وَلَوْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ لَا يُرِيدُهُ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ صِفَةُ شَرْطٍ (كَإِنْ زَنَيْت) أَوْ شَرِبْت خَمْرًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا أَوْ نَذَرَ (خُيِّرَ بَيْنَ الْوَفَاءِ) بِأَصْلِ الْقُرْبَةِ الَّتِي الْتَزَمَهَا لَا بِكُلِّ وَصْفٍ الْتَزَمَهُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَقْيِيدُهُ تَأَمَّلْ.
(وَالتَّكْفِيرُ) أَيْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ (هُوَ الصَّحِيحُ) رِوَايَةً وَدِرَايَةً أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ رُجُوعُ الْإِمَامِ عَمَّا نُقِلَ عَنْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ وُجُوهِ الْوَفَاءِ سَوَاءٌ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ أَوْ بِشَرْطٍ لَا يُرِيدُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا عُلِّقَ بِشَرْطٍ لَا يُرِيدُهُ فَفِي مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَلَكِنَّهُ بِظَاهِرِهِ نَذْرٌ فَيُخَيَّرُ، وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذِهِ الشَّاةَ وَهِيَ مِلْكُ الْغَيْرِ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأُهْدِيَنَّ وَلَوْ نَوَى الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا.
وَفِي التَّنْوِيرِ نَذَرَ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَغَا لَوْ كَانَ يَذْبَحُ نَفْسَهُ أَوْ أَبِيهِ أَوْ جَدَّهُ أَوْ أُمَّهُ، وَلَوْ قَالَ إنْ بَرِئْتُ مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْت شَاةً أَوْ عَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا، فَبَرَأَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا إذَا زَادَ وَأَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ جَزُورًا وَأَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ وَذَبَحَ مَكَانَهُ سَبْعَ شِيَاهٍ جَازَ، نَذَرَ لِفُقَرَاءِ مَكَّةَ جَازَ الصَّرْفُ إلَى فُقَرَاءِ غَيْرِهَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ الْخُبْزِ فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهِ جَازَ إنْ سَاوَى الْعَشَرَةَ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا لَكِنْ إنْ أَفْطَرَ قَضَاهُ بِلَا لُزُومِ اسْتِئْنَافٍ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَلْفٍ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ يَمْلِكُ دُونَهَا لَزِمَهُ فَقَطْ كَمَا لَوْ قَالَ مَا لِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَلَا مَالَ لَهُ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَذِهِ الْمِائَةِ يَوْمَ كَذَا عَلَى زَيْدٍ فَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ أُخْرَى قَبْلَهُ عَلَى فَقِيرٍ آخَرَ جَازَ.
وَفِي الْوَلَوْالِجيَّةِ إذَا حَلَفَ بِالنَّذْرِ وَهُوَ يَنْوِي صِيَامًا وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا مَعْلُومًا فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ إنْ نَوَى صَدَقَةً وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَعَلَيْهِ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ (وَمَنْ وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ» إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّصَالِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ رُجُوعٌ وَلَا رُجُوعَ فِي الْيَمِينِ، إلَّا إذَا كَانَ انْقِطَاعُهُ بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَيَبْطُلُ بِالِاسْتِثْنَاءِ كُلُّ مَا تَعَلَّقَ بِالْقَوْلِ مِنْ عِبَادَةٍ وَمُعَامَلَةٍ بِخِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْقَلْبِ.